فصل: فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم القربة في طلب الحسبة



.فَصْلٌ فِي الْمَوَازِينِ وَمَا يَنْبَغِي عَلَى الْمُحْتَسِبِ فِيهَا:

أَصَحُّ الْمَوَازِينِ، وَضْعًا مَا اسْتَوَى جَانِبَاهُ، وَاعْتَدَلَتْ كِفَّتَاهُ، وَكَانَ ثُقْبُ عِلَاقَتِهِ فِي، وَسَطِ الْعَمُودِ، وَيُحَدَّدُ الثُّقْبُ، وَتُجْعَلُ الْمِسْمَارُ فُولَاذًا حَتَّى تَكُونَ سَرِيعَةَ الْجَرَيَانِ فَمَتَى لَمْ تُفْعَلْ ذَلِكَ كَانَتْ تَسْكُنُ فَتَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي.
فَصْلٌ:
وَيَأْمُرُ أَصْحَابَ الْمَوَازِينِ بِمَسْحِهَا، وَتَنْظِيفِهَا مِنْ الْأَدْهَانِ، وَالْأَوْسَاخِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا تَحْمِلُ شَيْئًا فِي خُرْمِهَا فَيَضُرُّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَيَنْبَغِي إذَا شَرَعَ فِي الْوَزْنِ أَنْ يُسَكِّنَ الْمِيزَانَ، وَيَضَعَ فِيهَا الْبِضَاعَةَ مِنْ يَدِهِ فِي الْكِفَّةِ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَلَا يَهْمِزُ بِإِبْهَامِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَخْسٌ، فَتَكُونُ مَوَازِينُ الْبَاعَةِ مُعَلَّقَةً، وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنْ الْبَاعَةِ أَنْ يَزِنَ بِمِيزَانٍ الْأَرْطَالَ فِي يَدِهِ، وَمِنْ الْبَخْسِ الْخَفِيِّ فِي مِيزَانِ الذَّهَبِ أَنْ يَرْفَعَهُ بِيَدِهِ تِلْقَاءَ، وَجْهِهِ ثُمَّ يَنْفُخَ عَلَى الْكِفَّةِ الَّتِي فِيهَا الْمَتَاعُ نَفْخًا خَفِيفًا فَتَرْجَحُ بِمَا فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِي تَكُونُ عَيْنُهُ إلَى الْمِيزَانِ لَا إلَى فَمِ صَاحِبِهِ، وَلَهُمْ فِي الْمِيزَانِ صِنَاعَةٌ يَجْعَلُ بِهَا الْبَخْسَ مِثْلَ أَنْ يُلْصِقَ شَمْعَةً تَحْتَ إحْدَى كِفَّتَيْ الْمِيزَانِ، أَوْ يُشْكِلَ رَزَّةَ الْمِيزَانِ الْعُلْيَا بِخَيْطِ شَعْرٍ رَقِيقٍ لَا يَنْظُرُهُ الْمُشْتَرِي فَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ تَفَاوُتٌ، وَلَهُمْ أَيْضًا الْعَلَّاقَةُ الَّتِي تُسَمَّى الْمُودِي، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَمُودُ الْمِيزَانِ فُولَاذًا، وَيُعْمَلُ لِسَانُهُ أَرْمَهَانًا، وَيُعَوِّجُ رَأْسَ اللِّسَانِ إلَى الْجَانِبِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْحَرَامِ فَيَلْزَمُ الْمُحْتَسِبَ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَاعْلَمْ أَنَّك وُلِّيت مِنْ الْكَيْلِ، وَالْمِيزَانِ أَمْرَ مَنْ هَلَكَتْ فِيهَا الْأُمَمُ السَّالِفَةُ فَبَاشِرْهُمَا بِيَدِك مُبَاشَرَةَ الِاخْتِيَارِ، وَالِاخْتِبَارِ، وَلَا تُقِلْ أَهْلَهُمَا عَثْرَةً فَإِنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَنْهَى عَنْ الْعِثَارِ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ سَوَادِ النَّاسِ فَمَنْ لَمْ يُفَقِّهْ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ هِمَّتُهُ إلَّا فَرْجُهُ، أَوْ ضِرْسُهُ فَحَدُّهُمْ التَّعْزِيرُ الَّتِي هِيَ نَزَّاعَةٌ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ، وَتَوَلَّى.
فَصْلٌ:
وَالْقَبَّانُ الْقِبْطِيُّ، فَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَخْتَبِرَهُ بَعْدَ كُلِّ حِينٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِدُ بِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي وَزْنِ الْحَطَبِ، وَالْبَضَائِعِ الثَّقِيلَةِ، وَيُتَّخَذُ عِنْدَهُ عِيَارَاتٌ مِنْ حَصًى فِي خَرَائِطَ لِيفٍ هِنْدِيٍّ، أَوْ خَيْشٍ، وَيَضَعُهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا النَّدَاوَةُ، وَلَا الْغُبَارُ، وَيُعَيِّنُ لِعِيَارِ الْقَبَّانِينَ رَجُلًا يُوثَقُ بِدِينِهِ، وَأَمَانَتِهِ لَا يَشُوبُهُ فِي ذَلِكَ رِيَاءٌ، وَلَا مُحَابَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، وَيَلْزَمُ الْمُحْتَسِبَ أَنْ لَا يُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ الْوَزْنِ بِالْقَبَّانِ إلَّا مَنْ ثَبَتَتْ أَمَانَتُهُ، وَعَدَالَتُهُ، وَمَعْرِفَتُهُ بِالْعُدُولِ مِنْ أَهْلِ الْخِيرَةِ فِي مَجْلِسِهِ فَإِنَّهَا صِنَاعَةٌ عَظِيمَةٌ وَالْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي وَاقِفَانِ لَا يَعْلَمَانِ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ سَقَمِهِ إلَّا مِنْ لَفْظِهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
فَصْلٌ:
وَيَنْبَغِي أَنْ تُتَّخَذَ الْأَرْطَالُ مِنْ حَدِيدٍ، وَيُعَيِّرُهَا الْمُحْتَسِبُ، وَيَخْتِمُ عَلَيْهَا بِخَتْمٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَا يَتَّخِذُوهَا مِنْ الْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا قُرِعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتُنْقَضُ فَإِذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى اتِّخَاذِهَا لِقُصُورِ يَدِهِ عَنْ اتِّخَاذِ الْحَدِيدِ أَمَرَهُ الْمُحْتَسِبُ بِتَجْلِيدِهَا ثُمَّ يَخْتِمُهَا بَعْدَ الْعِيَارِ، وَيُجَدِّدُ النَّظَرَ فِيهَا بَعْدَ كُلِّ حِينٍ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا مِثْلَهَا مِنْ الْخَشَبِ، وَرُءُوسِ اللِّفْتِ، وَلَا يَكُونُ فِي الْحَانُوتِ الْوَاحِدِ دَسْتَانِ مِنْ أَرْطَالٍ، أَوْ صَنْجٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُهْمَةٌ فِي حَقِّهِ، وَلَا يَتَّخِذُ عِنْدَهُ مَا لَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِاِتِّخَاذِهِ مِثْلُ ثُلُثُ رِطْلٍ، وَثُلُثُ أُوقِيَّةٍ، وَثُلُثُ دِرْهَمٍ لِمُقَارَبَةِ النِّصْفِ، وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ فِي حَالِ الْوَزْنِ عِنْدَ كَثْرَةِ الزَّبُونِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
وَيَنْبَغِي لَلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَفَقَّدَ عِيَارَ الْمَثَاقِيلِ، وَالصَّنْجِ، وَالْأَرْطَالِ، وَالْحَبَّاتِ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَصْحَابِهَا فَإِنَّ فِي الصَّيَارِفِ مَنْ يَأْخُذُ حَبَّاتِ الْحِنْطَةِ فَيَنْقَعُهَا فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَغْرِسُ فِيهَا رُءُوسَ إبَرِ الْفُولَاذِ ثُمَّ تُجَفَّفُ فَتَعُودُ إلَى سِيرَتِهَا الْأُولَى، وَلَا يَظْهَرُ فِيهَا شَيْءٌ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا لَوْنَ صَنْجِ الْفِضَّةِ مُخَالِفًا لِلَوْنِ صَنْجِ الْمَثَاقِيلِ فَرُبَّمَا، وَضَعُوا صَنْجَةَ النِّصْفِ دِرْهَمٍ عِوَضًا عَنْ الرُّبَاعِيِّ، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ، وَكَذَا صَنْجَةَ الثُّمُنِ عِوَضًا عَنْ صَنْجَةِ الْقِيرَاطَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي الْمَكَايِيلِ وَمَا يَنْبَغِي عَلَى الْمُحْتَسِبِ فِيهَا:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمِكْيَالُ عَلَى مِكْيَالِ الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ عَلَى، وَزْنِ مَكَّةَ»، وَالْمِكْيَالُ الصَّحِيحُ مَا اسْتَوَى أَعْلَاهُ، وَأَسْفَلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَالسَّعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَحْصُورَ الْفَمِ، وَلَا يَكُونَ بَعْضُهُ دَاخِلًا، وَبَعْضُهُ خَارِجًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَشُدَّهُ بِالْمَسَامِيرِ لِئَلَّا يَصْعَدَ فَيَزِيدَ، أَوْ يَنْزِلَ، وَيَنْقُصَ، وَأَجْوَدُ مَا عُيِّرَتْ بِهِ الْمَكَايِيلُ الْحُبُوبُ الصِّغَارُ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِي الْعَادَةِ مِثْلُ الْخَرْدَلِ، وَالْبِرْسِيمِ، وَبِزْرِ قَطُونَاءَ وَالْكُسْفُرَةُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ فِي كُلِّ حَانُوتٍ مِنْ الْمَكَايِيلِ الصَّحِيحَةِ، مِكْيَالٌ، وَنِصْفُ مِكْيَالٍ، وَرُبُعُ مِكْيَالٍ، وَثُمُنُ مِكْيَالٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهَا بِخَتْمِ الْمُحْتَسِبِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى اتِّخَاذِ ذَلِكَ.
وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُجَدِّدَ النَّظَرَ فِي الْمَكَايِيلِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحِمْصَانِيِّينَ، وَالْفَوَّالِينَ، وَالْعَلَّافِينَ مَنْ يَأْخُذُ قِطْعَةَ خَشَبٍ يَحْفِرُهَا مِكْيَالًا فَيَكُونُ طُولُهَا شِبْرًا مَثَلًا، وَالْمَحْفُورُ مِنْ دَاخِلِهَا أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ فَيَغْتَرُّ النَّاسُ بِسَعَتِهَا، وَطُولِهَا، وَلَا يَعْلَمُونَ الْمِقْدَارَ الْمَحْفُورَ، وَهَذَا تَدْلِيسٌ لَا يَخْفَى، وَيُرَاعَى أَيْضًا مَا يُلْصِقُونَهُ فِي أَسْفَلِ الْمِكْيَالِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُلْصِقُ أَسْفَلَهُ الْخُبْزَ فُجْلٍ، وَالْجِبْسَ الْأَسْوَدَ يُلْصِقُونَهُ لَصْقًا لَا يَكَادُ يُعْرَفُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْصِقُ فِي جَوَانِبِهِ الْكُسْبَ فَلَا يُعْرَفُ، وَلَهُمْ فِي مَسْكِ الْمِكْيَالِ صِنَاعَةٌ يَحْصُلُ بِهَا الْبَخْسُ فَلَا يَدَعُ الْكَشْفَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَأَمَّا الْكَيَّالُونَ فَلَا خَيْرَ فِيهِمْ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَكْتَالُ مَا يَقْبِضُهُ زَائِدًا، وَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْغَزْرُ، وَالطَّرْحُ، وَعِنْدَ الصَّرْفِ يَجْعَلُهُ نَاقِصًا، وَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْمُشْفَقُ، وَقَدْ ذَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُحَذِّرَهُمْ، وَيُخَوِّفَهُمْ عُقُوبَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْبَخْسِ، وَالتَّطْفِيفِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَمَتَى ظَهَرَ لَهُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ عَزَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَشْهَرَهُ حَتَّى يَرْتَدِعَ بِهِ غَيْرُهُ.

.فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ صَاعُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ، وَثُلُثٌ، وَأَسْنَدَ الْبُخَارِيُّ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ذَكَرَ لِي أَبِي أَنَّهُ عَيَّرَ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُ رِطْلًا، وَثُلُثَيْنِ، وَفِي كِتَابِ عِقْدِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ أَنَّ مُدَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يُؤَدَّى بِهِ الصَّدَقَاتُ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ رِطْلٍ، وَنِصْفٍ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ رِطْلٍ، وَرُبُعٍ، وَقَالَ: بَعْضُهُمْ رِطْلٌ، وَثُلُثٌ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَالْوَيْبَةُ سِتَّةَ عَشَرَ قَدَحًا مِنْ نِسْبَةِ كَيْلِ الْبَلَدِ.

.فَصْلٌ فِي الْأَذْرُعِ: أَنْوَاعِهَا وَأَطْوَالِهَا:

وَالْأَذْرُعُ سَبْعٌ، أَقْصَرُهَا الْقَصَبَةُ ثُمَّ الْيُوسُفِيَّةُ ثُمَّ السَّوَادُ ثُمَّ الْهَاشِمِيَّةُ الصُّغْرَى ثُمَّ الْهَاشِمِيَّةُ الْكُبْرَى، وَهِيَ الزِّيَادِيَّةُ ثُمَّ الْعُمَرِيَّةُ ثُمَّ الْمِيرَاثِيَّةُ.
فَأَمَّا الْقَصَبَةُ، وَهِيَ تُسَمَّى ذِرَاعُ الدُّورِ، وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ ذِرَاعِ السَّوَادِ بِأُصْبُعٍ، وَثُلُثَيْ أُصْبُعٍ، وَأَوَّلُ مَنْ، وَضَعَهَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْقَاضِي، وَبِهَا يَتَعَامَلُ أَهْلُ كُلِّ، وَادٍ، وَأَمَّا الْيُوسُفِيَّةُ فَهِيَ الَّتِي يُذَرِّعُ بِهَا الْقُضَاةُ الدُّورَ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ، وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ ذِرَاعِ السَّوَادِ بِثُلُثَيْ أُصْبُعٍ، وَأَوَّلُ مَنْ، وَضَعَهَا الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ، وَأَمَّا ذِرَاعُ السَّوَادِ فَهِيَ أَطْوَلُ مِنْ ذِرَاعِ الْهَاشِمِيَّةِ الصُّغْرَى بِأُصْبُعٍ، وَثُلُثَيْ أُصْبُعٍ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهَا الرَّشِيدُ، وَقَدَّرَهَا بِذِرَاعِ خَادِمٍ أَسْوَدَ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ، وَهِيَ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا النَّاسُ فِي ذِرَاعِ الْبَزِّ، وَالتِّجَارَةِ، وَالْأَبْنِيَةِ، وَهِيَ قِيَاسٌ لِنِيلِ مِصْرَ، وَأَمَّا الذِّرَاعُ الْهَاشِمِيَّةُ الصُّغْرَى، وَهِيَ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ أَطْوَلُ مِنْ الذِّرَاعِ، إنَّهَا ذِرَاعٌ حَدَّهَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَهِيَ أَنْقَصُ مِنْ الزِّيَادِيَّةِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عُشْرٍ، وَبِهَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِالْبَصْرَةِ، وَالْكُوفَةِ.
وَأَمَّا الْهَاشِمِيَّةُ الْكُبْرَى فَهِيَ ذِرَاعُ الْمَلَكِ، وَأَوَّلُ مَنْ نَقَلَهَا إلَى الْهَاشِمِيَّةِ الْمَنْصُورُ، وَهِيَ أَطْوَلُ مِنْ ذِرَاعِ السَّوَادِ بِخَمْسِ أَصَابِعَ، وَثُلُثَيْ أُصْبُعٍ، وَيَكُونُ ذِرَاعًا، وَثُمُنَيْ عَشَرَ بِالسَّوَادِ، وَتَنْقُصُ عَنْهَا الْهَاشِمِيَّةُ الصُّغْرَى بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عُشْرِهَا، وَسُمِّيَتْ زِيَادِيَّةً؛ لِأَنَّ زِيَادًا مَسَحَ بِهَا أَرْضَ السَّوَادِ، وَهِيَ الَّتِي يُذَرِّعُ بِهَا أَهْلُ الْأَهْوَازِ، وَأَمَّا الذِّرَاعُ الْعُمَرِيَّةُ، وَهِيَ ذِرَاعُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّتِي مَسَحَ بِهَا أَرْضَ السَّوَادِ، وَهِيَ ذِرَاعٌ وَقَبْضَةٌ، وَإِبْهَامٌ قَائِمَةٌ قَالَ الْحَكَمُ: إنَّ عُمَرَ عَمَدَ إلَى أَطْوَلِهَا، وَأَقْصَرِهَا فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ثَالِثَةً، وَأَخَذَ الثُّلُثَ مِنْهَا، وَزَادَ عَلَيْهَا قَبْضَةً، وَإِبْهَامًا قَائِمَةً، وَخَتَمَ طَرَفَيْهَا بِالرَّصَاصِ، وَبَعَثَ بِذَلِكَ إلَى حُذَيْفَةَ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ حَتَّى مَسَحَا بِهَا أَرْضَ السَّوَادِ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ مَسَحَ بِهَا بَعْدَ، عُمَرَ بْنُ هُبَيْرَةَ.
وَأَمَّا الذِّرَاعُ الْمِيرَاثِيَّةُ فَتَكُونُ بِذِرَاعِ السَّوَادِ ذِرَاعًا، وَثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، وَثُلُثَيْ أُصْبُعٍ، وَأَوَّلُ مَنْ، وَضَعَهَا الْمَأْمُونُ، وَهِيَ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا النَّاسُ فِي ذِرَاعِ الْبَرِيدِ، وَالسُّكُورِ، وَالسُّوقِ، وَكَذَا الْأَنْهَارِ، وَالْحَفَائِرِ، وَأَمَّا الذِّرَاعُ الْمُقَدَّرُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَغَيْرُهُ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا، وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ بَطْنُ كُلِّ حَبَّةٍ لِظَهْرِ الْأُخْرَى، وَالشَّعِيرَةُ بِسِتِّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبَغْلِ.

.الْبَابُ الحَادِيَ عَشَرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْعَلَّافِينَ وَالطَّحَّانِينَ:

يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ احْتِكَارُ الْغَلَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ، وَلَا يَخْلِطُوا رَدِيءَ الْحِنْطَةِ بِجَيِّدِهَا، وَلَا عَتِيقَهَا بِجَدِيدِهَا فَإِنَّهُ تَدْلِيسٌ عَلَى النَّاسِ، وَيَلْزَمُ الطَّحَّانِينَ بِغَرْبَلَةِ الْغَلَّةِ مِنْ التُّرَابِ، وَتَنْقِيَتِهَا مِنْ الطِّينِ، وَتَنْظِيفِهَا مِنْ الْغُبَارِ قَبْلَ طَحْنِهَا، وَلَهُمْ أَنْ يَرُشُّوا عَلَى الْحِنْطَةِ مَاءً يَسِيرًا عِنْدَ طَحْنِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ الدَّقِيقَ بَيَاضًا، وَيُغَيِّرُ عَلَيْهِمْ مَنَاخِلَ الدَّقِيقِ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي صُوفِهِ ضَعْفٌ، وَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ الدَّقِيقَ فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا يَخْلِطُوا فِيهِ دَقِيقَ الْحِمَّصِ، أَوْ الْفُولِ حَتَّى يَزِيدَهُ زَهْرَةً، وَهَذَا غِشٌّ فَمَنْ وَجَدَهُ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَأَدَّبَهُ، وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ لَا يَطْحَنُوا عَلَى إثْرِ نَقْرِ الْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِالنَّاسِ إذَا نَزَلَ مَعَ الدَّقِيقِ، وَيُلْزِمُهُمْ بِنَقَاءِ الْغَلَّةِ، وَكَثْرَةِ دَوْسِهَا حَتَّى يَخْرُجَ الدَّقِيقُ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي النَّقَاءِ، وَيَنْبَغِي لِأَرْبَابِ الدَّوَابِّ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي اسْتِعْمَالِهَا، وَأَنْ يُرِيحُوهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ لِحَاجَتِهَا إلَى الرَّاحَةِ، وَالسُّكُونِ، وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ الدَّابَّةَ فِي طَحْنِ أَكْثَرَ مِنْ رُبُعِ، وَيْبَةٍ، وَيَتَفَقَّدَ مَوَازِينَهُمْ الْمُرْصَدَةَ لِوَزْنِ الدَّقِيقِ، وَأَرْطَالَهُمْ، وَكَذَا مَوَازِينَ الْفِضَّةِ، وَصِنَجَهَا، وَأَكْيَالَهُمْ، وَبِطَطَهُمْ، وَعِيَارَاتِهَا، وَيَأْمُرَهُمْ أَنْ تَكُونَ الْفَوَارِغُ الْمُعَدَّةَ لِحَمْلِ الدَّقِيقِ صِحَاحًا؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ يَكُونُ صَحِيحًا مِنْ الطَّاحُونِ فَمَتَى كَانَتْ الْفَوَارِغُ مُقَطَّعَةً ضَاعَ الدَّقِيقُ فِي الطُّرُقَاتِ فَيَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي، وَأَنَّ الْبَطَّةَ خَمْسُونَ رِطْلًا فَيَكُونُ التَّلِّيسُ ثَلَاثُ بِطَطٍ فَإِنَّهُ مِائَةٌ، وَخَمْسُونَ رِطْلًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الطَّحَّانِينَ، وَظَائِفَ يَرْفَعُونَهَا إلَى حَوَانِيتِ الْخَبَّازِينَ فِي كُلِّ يَوْمٍ.
فَصْلٌ:
وَيُؤْخَذُ عَلَى طَحَّانِينَ الْقَمْحِ الْبَيْتُوتِيِّ بِمَا نَذْكُرهُ لِمَنْ يَأْكُلُ فِي بَيْتِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَا تَمِيلُ نَفْسُهُمْ إلَى أَكْلِ الْخُبْزِ السُّوقِيِّ لِأَجْلِ مَا يُحْتَرَزُ عَلَيْهِ فِي الْبُيُوتِ، وَيُبَاشِرُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيَلْزَمُ أَنَّهُمْ لَا يُمَكِّنُوا مَنْ يَتَسَلَّمُ قُمُوحَ النَّاسِ إلَّا ثِقَةً أَمِينًا عَفِيفًا عَنْ الْمَفَاسِدِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ بُيُوتَ النَّاسِ، وَيُخَاطِبُ، أَوْلَادَهُمْ، وَجَوَارِيَهُمْ، وَيَحْمِلُهَا بِأَمَانَةٍ إلَى طَاحُونٍ مَعْلُومَةٍ فَحِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِالْوَزْنِ، وَيُعْطِيهَا بِالْوَزْنِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، وَأَنْ يَكْتُبَ عَلَى كُلِّ قُفَّةٍ اسْمَ صَاحِبِهَا، وَمَكَانَهُ فِي يَقْطِينَةٍ، وَيُعَلِّقَهَا فِي أُذُنِ الْقُفَّةِ حَتَّى لَا تَخْتَلِطَ، وَأَنْ تَكُونَ نَاعِمَةَ الطَّحْنِ حَتَّى تَحْصُلَ الزَّكَاةُ لِصَاحِبِهَا.
وَالْوَيْبَةُ الْمِصْرِيَّةُ زِنَتُهَا أَرْبَعُونَ رِطْلًا إلَى أَرْبَعَةٍ، وَأَرْبَعِينَ، وَمَهْمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَبِحِسَابِهِ مِنْ الْوَيْبَةِ لِيَعْلَمَ قَدْرَ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَخْلِطُ قَمْحَ أَحَدٍ فِي قَادُوسِ الطَّحْنِ حَتَّى يُزِيلَ مَا بَقِيَ مِنْ قَمْحِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ مَا حَوْل الْحَجَرِ مِنْ الدَّقِيقِ يَكْنُسُهُ بِمِكْنَسَةٍ عِنْدَهُ لِئَلَّا يَدْخُلُ مَالُ أَحَدِهِمَا فِي مَالِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَيَصِيرُ حَرَامًا.